النقيب جينا الشمّـاس
رئيسة جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد – لبنـان
ومستشارة المعهد الأميركي لمكافحة الفساد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفرقيا
مشاركة النقيب جينا الشمّاس في المؤتمر الأول للعدالة للبنان وشعبه
بدعوة من ملتقى متّحدون من أجل العدالة للبنـان وشعبه
في
٧ تشرين الثاني 2020 – اوتيل ليريتاج عاليه – لبنـان
بعنوان
مكافحة الفساد في القطاع العام – المبادئ العشرة لمكافحة الفساد وتطبيق معاهدة الأمم المتحدة ضد الفساد
حقوق النشر محفوظة
للمعهد الأميركي لمكافحة الفساد
ولجمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد
ولملتقى متّحدون من أجل العدالة للبنـان وشعبه
في المقدّمة
لقد تشرّفت من قبل لقاء متّحدون من أجل العدالة وسعادة السفير هشام حمدان بوجودي معكم للتحدث عن مكافحة الفساد لا سيما المبادئ العشرة وسبل مكافحة الفساد ومعاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقّع عليها لبنان في 2009. فمنذ توقيع هذه المعاهدة ونسبة الفساد في لبنان الى الإرتفاع. ولقد طلبت المتحدّثة باسم الأمم المتحدة التي سبقتني في تقديم كلمتها ورسالة من الأمم المتّحدة، بأن نكثّف الجهود كمجتمع مدني ونتابع الحوارات، ونحن نستغنم هذه الفرصة لندعو الأمم المتحدة كي تكثّف أيضاً الجهود في مكافحة الفساد. ونتمنّى من المعنيين متابعة الدول الملتزمة بالمعاهدة للتأكد من تطبيقها بشكل فعّال كي لا تبقى حبراً على ورق. ونؤكّد بأن الفساد هو مشكلة عالمية وليست فقط مشكلة لبنانية. فإنّ استغلال السلطة لخلق لا مساواة أو لاستضعاف أي فريق هو من تعريف الفساد كما سنشرح لاحقاً. لذلك، نطلب من الأمم المتّحدة أن تكثّف الجهود لتطبيق مقرّرات الأمم المتحدة لا سيما تلك التي لم تنفّذ من قبل اسرائيل والتي تركت ومازالت تترك أثراً سلبياً على لبنان وعطل وضرر كبيرين. إن عدم تنفيذ القرارات الدولية هو نتيجة سوء استخدام التحالفات الدولية والسياسية التي تتمتّع بها اسرائيل والتي حمتها من عدم الإلتزام بالقانون الدولي، أي بمخالفة المبدأ الأول من المبادئ العشرة لمكافحة الفساد وهو “انتشار سيادة القانون”. في ذلك عدم مساواة في تطبيق القوانين والقرارات الدوليّة، وهو عين الفساد وما يبعدنا عن تحقيق العدالة التي هي أساس التوازن بين البشر، كما بين الدول، لتأمين بيئة حاضنة لتخفيض نسب الفساد والوقاية منه، واحترام حقوق الإنسان والسلام. فإن عدم الإستقرار وعدم التعامل بالمساواة التي تنادي بها الأمم المتحدة في المعاهدة لمكافحة الفساد، والتي يؤكّد على ضرورة تطبيقها المعهد الأميركي لمكافحة الفساد، يتسبب ومنذ زمن بعيد بضرر كبير يدفع ثمنه لبنان وشعبه. فنسأل وبكل وضوح لماذا يستضعف لبنان ويطلب منه تنفيذ القرارات التي تقع على عاتقه ولا يطلب ذلك من اسرائيل؟ وهل يشجّع ذلك الشعب اللبناني أو الدولة لاحترام مبدأ المساواة وأخذ القانون الدولي بالجدية، أم يتسبب ذلك بالشعور بالغبن والظلم؟ ومن يحقّق للبنـان ما يستحقه من عدالة إذا غفلت عن ذلك الأمم المتحدة التي كان من مؤسسيها ومؤسسين المنظمات الدولية الأخرى، ورجاله من المساهمين بفكرها، لا سيما وأن شعبه أثبت حول العالم أنه مبدع معطاء؟
قرار مكافحة الفساد
أمام عدم تقدّم لبنان في مكافحة الفساد بالرغم من توقيع المعاهدة، وبعد نضال بدأ منذ 1996 حين اجتهدنا بنشر التوعية عن خطر الفساد وتحفيز الشعب والدولة لمكافحة الفساد وعدم القبول به بسبب الأخطار التي يحملها. ومن أول المشاريع التي حققناها في 1997 تضمّن فضح لائحة الأدوية المتوفّرة في لبنـان والممنوعة في البلدان النامية ونشر أسباب منعها والأخطار التي تسببها للشعب اللبناني. ونتيجة لهذا النشاط، حصلنا على دعم منظّمة الصحة العالمية وعدد من المعنيين وأوقفنا مبيع هذه الأدوية في لبنان كما أوقفنا تصنيعها. وساهمنا بتحفيز صناعة الأدوية في لبنان وفق المعايير الدولية بما لا يتعارض مع الأسواق العالمية.
وبعد متابعة المشاريع ونجاحها بتأمين الحلول، لا سيما في معالجة النفايات بالتعاون مع الأمم المتحدة، وفي قطاع الكهرباء بالتعاون مع البنك الدولي، وفي وقف الهدر عبر الموازنات العامة عبر رئاسة الجمهوريّة، وسعينا لتأمين محاسبة شفّافة، فتأكّدنا أنّه وبالرغم من وجود الحلول يستمرّ الفساد. وبعد اختبارنا لتدخّل الأحزاب الهدّام لنقابة خبراء المحاسبة المجازين، للتأثير على مهنة التدقيق وهي مهنة الرقابة المالية الأولى، تقاطعنا مع موضوع التهرّب الضريبي وهدر المال العام في ملف كازينو لبنان. عندها اكتملت صورة منظومة الفساد وبدا واضحاً لنا أن الجهود التي نبذلها غير كافية.
المعهد الأميركي لمكافحة الفساد
تمكّنا من التواصل مع المعهد الأميركي لمكافحة الفساد وهو معهد علمي خاص ومختص بالمعرفة والبحث بموضوع مكافحة الفساد، ومركزه في الولايات المتحدة الأميركية في ولاية أريزونا. ولقد جاءت فكرة إنشاء المعهد نتيجة الفساد الذي ظهر في عدة قضايا متتالية في الولايات المتحدة الأميركية ومنها قضية “إنرون” الشهيرة. ويستعين المعهد بقضاة سابقين وحقوقيين وأساتذة جامعات في عدة قطاعات من جامعات عدة في الولايات المتحدة وغيرها. ولقد توسّعت نشاطات المعهد لتتضمن معظم دول العالم. وبسبب إهتمام الدول أصبحت المعلومات الني ينشرها المعهد على موقعه متوفّرة بلغات عديدة بدلا من حصرها باللغة الإنكليزية وحدها، وذلك منذ منتصف عام 2020.
أما بالنسبة للبنـان، فلقد خضع 53 لبناني للدروس في المعهد الأميركي لمكافحة الفساد ونجح 43 منهم في الحصول على ترخيص ” مدير مؤهّل لمكافحة الفساد” بعد نجاحهم بامتحانات المعهد. وهذا الترخيص هو الترخيص الدولي الوحيد الذي يتضمّن معرفة مكافحة جميع أنواع الفساد.
لقد أثبتت التجارب في لبنان ودول أخرى أن مكافحة الفساد ليس هواية بل مهنة نمتهنها أو نضال نعتمده بشكل فعّال من خلال العلم والمعرفة بما يخص هذا المجال وسبل تحديد الأهداف للوقاية من الفساد او ردع الفاسدين أو كشف الفساد والمحاسبة والمساءلة حتى النجاح في تحقيق الأهداف.
بدأ نشاط المجموعة اللبنانية المرخّصة لمكافحة الفساد منذ آذار 2019 الى أن تنظّمنا من خلال جمعية رسمية لها علم وخبر، تمّ توقيعه في 10 آب 2020، قبل استقالة الحكومة الحالية. واستكملت النشاطات من خلال جمعية “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد – لبنان” وبإذن من المعهد الأميركي لمكافحة الفساد باستخدام وصف الترخيص. ويمكن لأي فرد لبناني أو جمعية لبنانية الإنضمام الى هذه الجمعية، لكن اللبنانيين المرّخصين وحدهم يمكنهم تولي المهام التنفيذية في الجمعية.
حقوق الإنسان والحقوق الدستورية اللبنانية
من أهم ما ورد عن الأمم المتحدة هو “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” وموضوع مساواة البشر: “…وجميعهم متساوون أمام القانون، ويحق لهم دون أي تمييز التمتع بحماية القانون على قدم المساواة، والحماية المتساوية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان…لكل شخص الحق في المساواة الكاملة في جلسة استماع عادلة وعلنية من قبل محكمة مستقلة ومحايدة…” لذلك يجب معاملة لبنان بمساواة للتعامل مع إسرائيل لناحية الحقوق والواجبات.
لقد تبنّى لبنان هذه المساواة بالدستور الأكثر انفتاحاً وديمقراطية في المنطقة، إذ ورد في مضمونه: المساواة بين المواطنين، لا تحيّز على أساس الجنس أو الأصل أو الخلفية، لا تحيّزعلى أساس الإنتماء الديني، لا تحيّز أو تصنيف حسب الوضع الاجتماعي أو السلطة أو ملكية الممتلكات أو غيرها.
ما هو تعريف الفساد
ولكن وبالرغم من مضمون الدستور اللبناني، هناك من تولّوا مسؤولية السلطة وبدلاً من تطبيق الدستور، منهم من أساء استخدام هذه السلطة المعطاة لهم من الشعب وابتعدوا عن القيام بواجباتهم بهدف تأمين المصلحة العامة. وكان المعهد الأميركي لمكافحة الفساد قد خلص لتبنّي تعريف الفساد على أنّه: “إساءة استخدام السلطة أو السلطة المتصوَّرة أو السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب نقدية أو غير نقدية خاصة، مباشرة أو غير مباشرة.” كما أن المعهد لا يصنّف الفساد بالفساد المالي والإداري أو غير ذلك، بل يحدّد بأنّ “الفساد هو الفساد” ويشترط وجود “سلطة” كي يعتبر الجرم أو المخالفة “فساداً“.
الفساد في حياتنا اليومية
بسبب غياب الوقاية من الفساد وغياب الردع والعقاب والمساءلة، ينتشر الفساد ونواجهه في حياتنا اليومية في لبنان كما في الدول الأخرى بنسب متفاوتة. ومنه ما قد يصعب إثباته للقضاء بالرغم من كثرته وحصوله بشكل شبه علني أو بشكل معروف علناً. ومن أهم الأمثلة: المحسوبية، الرشوة والهدايا والهبات والإكراميات، استخدام الثروة العامة أو الموارد أو الممتلكات العامة لتحقيق مكاسب شخصية (الأصول واختلاس الموارد)، استخدام السلطة لتسريع عملية أو إيقاف أو إبطاء عملية، تخفيض الرسوم أو المستحقات التي يجب دفعها، التهرّب من دفع الجمارك أو الضرائب، التلاعب في الصفقات واستدراج العروض….
الفساد خلف الأبواب المغلقة
وبالإضافة الى أمثلة الفساد المذكورة أعلاه، يتعرّض البلد الى عدة أنواع من الفساد الذي قد لا يعرفه أو يفهمه عدد كبير من المواطنين. وتعتبر هذه جرائم مالية كبيرة، منها ما هو مصنّف دولياً كجرائم مالية دوليّة، لما لها تأثير على العملات الأجنبية لا سيّما الدولار الأميركي. ونذكر هنا بعض الأمثلة: الموظفين الشبح – حيث يتم الغشّ ودفع رواتب وهمية، الابتزاز الإقتصادي (عدم الحصول على حقوقك دون دفع رشاوى أو عمولات) لا سيما للاستثمار في البلد أو لقيام مشروع كبير ومنتج يفسح المجال أمام فرص العمل (يطلب اقتطاع حصة تموّل من المستثمر لحساب مرتكب الفساد صاحب السلطة)، غسل الأموال واستخدام القطاع الخاص من شركات ومصارف أو شركات وعمليات وهمية لتبييضها، الاحتيال في البيانات المالية (إخفاء الفساد وتوفير عمليات التغطية بعدم مراجعة الحسابات وعدم الكشف عن البيانات المالية أو عدم نشرها وما يتّصل بها من معلومات وعدم تقديم الإفصاحات مطلوبة وفق المعايير الدولية المرعية الإجراء، كما تحويل الأموال عند إغلاق المصارف حين يمنع المواطن العادي من قيامه بهذه العمليات، الإغفال و/أو ارتكاب أخطاء جوهرية مقصودة لتهريب الأموال المغسولة وغيرها، التزوير في الصفقات والمناقصات بواسطة الرشاوى والعمولات، وتجميع المتعهّدين لتقاسم المشروع الواحد وإخفاق المنافسة، وتحديد الرابح في المناقصة بشكل غير سليم، والتأثير على القضاء…
نكافح الفساد أو نستسلم؟
إذا حاربنا الفساد
نحن نحافظ على كرامتنا
نحن نحافظ على خزينتنا: التكلفة المباشرة للفساد التي اعترفت بها الحكومة هي 5 مليارات دولار سنوياً، وهي لم تذكر التكلفة غير المباشرة كالبطالة وعجز الموازنات وتراكم الدين العام وانهيار العملة والفقر….
نحن نحدّ من مستويات الفساد لتحسين نوعية الحياة للأجيال القادمة
نحافظ على أصولنا ومواردنا الوطنية الطبيعية وغيرها وكرامة الموظفين العموميين الصالحين
نحن نحسّن الاقتصاد ونجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى لبنان…
إذا لم نحارب الفساد
نفقد الموانئ
نفقد نظام التعليم
نفقد مستقبل أطفالنا
نفقد حياتنا
نخسر بيروت
نخسر طرابلس، صيدا، بيبلوس، صور، زحلة، بعلبك، الشمال، الجنوب،
يتلاشى الوطن بين أيدينا
نفقد الأدمغة بسبب الهجرة والمنافسة
ونفقد نحن وأجيال المستقبل كرامتنا…..
لذلك نكافح الفساد بذكاء
في ظل خطورة الفساد على الكيان، يستحق الأمر أن نؤكّد لكل من يندفع للمساهمة في مكافحة الفساد، أن هذا الإندفاع ضروري وهو في قمّة الوطنية. لكن، من الضروري أن نثبّت في عقولنا جميعاً أنّ مكافحة الفساد هي “حرب” بكل ما معنى الكلمة من معنى. نعم، مكافحة الفساد هي حرب. وهل نذهب الى الحرب دون أسلحة؟ السلاح هو العلم والمعرفة والذكاء في مقاربة ومعالجة الفساد ضمن النصوص التي اتقنت من قبل الأمم المتحدة والتي نصّت عليها المعاهدة والتي يصعب على الدول لتاريخه من تحقيقها. لقد تقدّم البحث والعلم في هذا المجال منذ عام 2003 حين نُصّت المعاهدة ومنذ 2005 حين بدأت الدول تلتزم بها. وكان البحث والتطوّر خلال السنوات الماضية مشجّعاً لا سيما في تطور التكنولوجيا التي بدأت تساهم بشكل فعّال في بعض الأدوات التي تكشف الفساد. اتضحت الصورة على أن هناك حاجة لإطار موحّد يجب اعتماده كي لا يبقى الفاسد يسبقنا، ولو بخطوات، إذا ما لم نطوّق الفساد بشكل محكم. وهذا يعني أن البحث يجب أن يتواصل دائما للتأكّد من حماية الجهود المبذولة، لا سيما إبعاد الإحباط عن محاربي الفساد وزيادة النجاحات المعلنة لتشجيع الآخرين وبث الأمل.
المبادئ العشرة لمكافحة الفساد الصادرة عن المعهد الأميركي لمكافحة الفساد
١- إنتشار سيادة القانون: إطار العمل للمبادئ الأخرىظ
٢- الرقابة الداخلية الفعّالة : تدابير وقائية ومخبرية
٣- الحكم الفعّال والصالح: الرقابة المباشرة لمنع وردع الفساد
٤- استقلال القضاء وفعّاليته: لضمان المساواة وحقوق الإنسان
٥- السلطة والمساءلة: المسؤولية والشفافية
٦- الاستثمار في منع الفساد: التوعية والتعليم
٧- القياس الكمّي للتعرّض للفساد : لتقييم النجاح والفشل
٨- اليقين من العقاب: الردع
٩- لا يسقط الفساد بالتقادم: الردع
١٠ – مكافئة محاربي الفساد
يقوم المعهد بشرح ترابط وتفاصيل هذه المبادئ العشر المعتمدة لمكافحة الفساد والصادرة عن المعهد الأميركي لمكافحة الفساد. كما يشرح في الدروس التي يقدّمها، المعايير التطبيقية المعتمدة لتحقيق أهداف كل من المبادئ والتأكّد من نجاح النشاطات وتخفيض نسبة الفساد. ومن بعض الأمثال عما يعتبره المعهد الأميركي معايير، نذكر بعضها التي قد يكون عدد كبير منا ملمّ بمعناها. فعلى سبيل المثال لا الحصر:
تعريف عملية مكافحة الفساد
يعرّف المعهد الأميركي “مكافحة الفساد” على أنّها: “عملية يقوم بها المكلّفون بالحوكمة (الموظفون والمواطنون وغيرهم من أصحاب المصلحة) لتوفير ضمان معقول بأن من عُهد إليهم بالسلطة لم يسيئوا استخدامها لتحقيق مكاسب خاصة”. عملية توصف بالـ “كلّية”، ومتعددة التخصصات، وبالإستمرارية، وتشمل جميع القطاعات الاقتصادية، وتتوخى تحقيق النتائج، وهي طويلة الأجل.
المتطلبات المسبقة لمكافحة الفساد بفعّالية في لبنان
تقييم الوضع واستراتيجية المعهد
لقد قيّم المعهد الأميركي لمكافحة الفساد الوضع القائم في لبنـان بطلب من النقيب جينا الشمّاس في الفصل الرابع من عام 2018. واعتمد في تقييمه على المعلومات والمعطيات التي كانت متوفرة حتى عام 2017. وبناء عليه، وبالتعاون مع النقيب الشمّاس تمّ وضع استراتيجية لمكافحة الفساد يمكن للقطاع الأهلي والمدني والتربوي وقطاع الأعمال تنفيذها، في حال تمسّك المسؤولون عن الفساد بزمام السلطة ورفضوا الإعتراف والإقلاع عن الفساد. إن مدّة العمل بالاستراتيجية المعدّة بالتعاون مع المعهد الأميركي لمكافحة الفساد هي 21 سنة. تقيّم سنوياً بناء على التقدّم الذي يحصل في بنودها وتوازنهم على أساس تحقيق تطوّر نوعي في تطبيق المعايير والمبادئ المعتمدة من المعهد الأميركي لمكافحة الفساد. يكتسب الخبراء والمدراء المؤهلون لمكافحة الفساد الخبرة المحلّية والعالمية في معالجة موضوع الفساد ومواكبة التكنولوجيا لإجراءات الرقابة المباشرة. إنّما للأسف في غياب جدّية الدولة في مكافحة الفساد، نبقى المسؤولية ملقاة على عاتق المواطنين الصالحين والرافضين للفساد. ولكن الجهود التي يبذلها هؤلاء بإمكانها أن تحصد التغيير عبر الإصرار على العمل وعدم التخلّي عن القضية. إن للفساد وإن صدر من لبنان، له ذيول دولية، خاصة أن الدولار الأميركي متحكّم في عنق الإقتصاد الوطني اللبناني بدلاً من الليرة اللبنانية.
ولقد تبنّت جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد مبادرات المعهد الأميركي لمكافحة الفساد في استراتيجيتها. ومن أهم المبادرات فيها:
مبادرة الشباب
طلاب الثانوية العامة يجيبون على واحد من ثلاثة أسئلة تطرحها الجمعية حول الفساد وذلك من خلال فيديو قصير يحضّره التلامذة ويقدّم للمدرسة في مسابقة وطنية.
مبادرة الجامعات
يمكن للطلاب الحاصلين على أكثر من 90 وحدة أن يتأهلوا عبر دورة دراسية مخصّصة ثم الخضوع لامتحان للحصول على شهادة كـ “زملاء معتمدين من المعهد لمكافحة الفساد” (CACF). كما يمكنهم متابعة البحث والمعرفة والدّراسة والتحضّر لامتحان مدير مؤهّل لمكافحة الفساد (CACM) بعد اكتساب خبرة عملية لا تقل عن ثلاث سنوات. أما من يريد أن يتعمّق ويكمل اختصاصه، فبعد تلبية عدد من الشروط المهنية والخبرة، يمكنه متابعة التخصص للحصول على ترخيص (CACEM) وما بعده من تخصص وتراخيص متوفرة في المعهد الأميركي للأفراد، كما تلك المتوفّرة للشركات والمؤسسات العامة.
مبادرة متخذي القرارا والمشاركين في التوعية لمكافحة الفساد
أما بما يخصّ متخذي القرار في القطاعين العام والخاص فلا بدّ لهم رفع مستوى الخطاب الذي يعبر فيه عن مشاكل وحلول مكافحة الفساد بحيث يصبح الجميع يتحدّث بمنهجية علمية ترفع من مستوى الممانعة وتزيل الضبابية عن عمليات الفساد وتحسّن حظوظ النجاح في المواجهة، كما تجمع المواطنين المتمسكين بالمواطنة والراغبين باستثمار الوقت أو المال من أجل مكافحة الفساد من أجل الوطن ومن أجل وطن أفضل
الاستراتيجية الوطنية المقدّمة من الدولة اللبنانية
منذ أكثر من عشر سنوات ومكتب الدولة لشؤون التنمية الإدارية يعمل على استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، بالرغم من إقرارها، إن الكلفة المباشرة السنوية للفساد لا تقل عن 5 مليارات الدولارات الأميركية. أي تكون البلاد قد تكلّفت 50 مليار دولار بانتظار تحضير استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد! هل يعقل ذلك، وبمواكبة من الأمم المتّحدة؟
الجدير بالذكر أن الفريق المعدّ لهذه الاستراتيجية ضمّ خبراء ومستشارين وعاملين في برنامج الأمم المتحدة للتنمية، يتقاضون رواتب محترمة طيلة فترة عملهم. ويمكننا أن نعلن بأنه ليس بينهم أي خبير أو مختص مؤهل من قبل المعهد الأميركي لمكافحة الفساد، علماً أنّ المدراء المؤهلون لمكافحة الفساد كانوا قد عرضوا المساعدة المهنية دون مقابل على نواب ووزراء ومسؤولين. ولم يستجب أحد إلا أحدى المستشارات مشكورة. فطلبت منّا ملاحظاتنا بموافقة الوزير(ة) مي شدياق. وتقدّمنا بها وتمّ الأخذ بملاحظة اعتماد المبدأ الثاني لمكافحة الفساد أي “الرّقابة الداخلية الفعّالة”. وهذا يشكل تطوّر مهم جدا لتحسين الاستراتيجية المحضّرة من المعنيين، كون هذا المبدأ يدعم فكرة “تعزيز الوقاية”، ما يسرّع في تخفيض تراكم الفساد ونسبته على المدى البعيد. إلا أن الاسترتيجية الوطنية النهائية التي أقرّت في أيّار 2020، مدتها خمس سنوات فقط وبتركيز على 3 أهداف فقط، يتفرّع عنها عدة أفكار موصولة بجهود لمشاريع قوانين. إن نسبة وخطورة الفساد في لبنـان تجعل من هذا البطء سلاحاً مقاوماً للعدالة المتوخاة من مكافحة الفساد، خاصة في ظل عدم اعتماد المبادئ العشرة لمكافحة الفساد، لا سيما المبدا التاسع “لا يسقط الفساد بالتقادم”. ففي البطء ننقل مكافحة الفساد الى صفحة مستقبلية دون التقيّد بالمبدأ الثامن “اليقين من العقاب”. فيفلت من الحساب والعقاب كل من تسبّب بالخراب والدّمار واغتنى على حساب الشعب وأفقر الشعب تاركه مسؤولاً عن ديون تحتاج الى أعجوبة لدفعها من الأجيال اللاحقة، إذا ما بقي الوطن وبقيت الأجيال اللاحقة لبنانية بمعظمها تهتم بلبنـان الكيان والرسالة.
يحتاج لبنـان الى استراتيجية واضحة ولها إطار تنفيذي على اساس المبادئ العشرة لمكافحة الفساد والمعايير التطبيقية لها وفق النصوص الواردة في معاهدة الأمم المتحدة والمتقاطعة مع المبادئ العشرة لمكافحة الفساد.
ما يحتاجه لبنـان لمكافحة الفساد من قبل الشعب على سبيل المثال لا الحصر
١- التواصل الفعّال بين المهنيين العاملين في مجال مكافحة الفساد والمواطنين الذين ينضمون إلى المعركة في تضامن من أجل القضية.
٢- تنمية المجتمعات المحلية لتسهيل عملية دمجها مع المهنيين للمشاركة في أي نشاط من أنشطة مكافحة الفساد، على أن يبدأ تطبيق مبادئ مكافحة الفساد من قبلهم في عملهم كجمعيات ومجموعات أهلية.
٣- توعية المواطنين على حقوقهم وواجباتهم لمنع الخلل بطريقة العمل من أجل تحقيق العدالة واعتماد المبادئ وتطبيقها كجزء لا يتجزأ من طريقة عملهم وعيشهم، لا سيما أنهم هم مصدر السلطات ومعنيين بالتمثيل الذي يكون منهم ولهم وفق مبادئ مكافحة الفساد العشرة.
٤- تشجيع المواطنين على بدء العمل للمشاركة في الالتزام بالقوانين، بالرغم من الصعوبات التي نواجهها والخلل بعدد من القوانين، والعمل على تعديل كل ما يخلّ بالتوازن الإجتماعي الإقتصادي من قوانين أو أنظمة أو نصوص.
٥- تغذية الوعي الرفيع المستوى لدى المواطنين العاديين من قبل الخبراء والقادرين من المؤسسات الأهلية والمجتمع المدني لتقييم وفهم أهمية حفظ وجمع الأدلة، خاصة بوجود التكنولوجيا المتوفرة لمعظم الناس من تقنيات تسجيل وتصوير وحفظ الأدلة لتسليمها الى جهات مختصة أو جمعيات موثوق بها لإجراء ما يلزم وفق القانون في حال ضبط مخالفة تناسب وصف الفساد.
٦- تشجيع القضاة وتحصين سلامتهم للمضي قدماً بخطوات جريئة في اتخاذ الأحكام التي تعتمد على القوانين كما على معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، من أجل إطلاق يد السلطة القضائية وفرض تعاضدها واتّحادها ضد الفساد ونبذها للفاسدين من بينها ومقاضاتهم وفق الأصول دون تلكؤ أو تردد أو إهمال.
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الآلية القانونية الوحيدة المعتمدة من معظم الدول أعضاء الأمم المتحدة، والتي يشجّع المعهد على الإلتزام بها وتطبيقها
نصِف المعاهدة على أنها مجموعة شاملة من المعايير والتدابير والقواعد التي يمكن لجميع البلدان تطبيقها من أجل تعزيز نظمها القانونية والتنظيمية لمكافحة الفساد. وتُدخِل هذه الأحكام – وهي الأولى من نوعها – مبدأً أساسياً جديداً، فضلاً عن إطار لتعاون أقوى بين الدول لمنع الفساد وكشفه وإعادة العائدات واستعادة الأموال والأصول وغير ذلك…
وتتضمّن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد – 8 فصول و 71 مادة، وخصّص فيها يوم 9 كانون الأول من كل عام “يوم مكافحة الفساد”.
مواد الأحكام العامة: 1 – 4
المواد الخاصة بالتدابير الوقائية: 5 – 14
مواد التجريم وإنفاذ القانون: 15- 42
مقالات التعاون الدولي: 43 – 50
المواد استرداد الموجودات: 51 – 59
مقالات المساعدة التقنية وتبادل المعلومات: 60 – 62
آليات و مواد التنفيذ: 63 – 64
مواد الأحكام النهائية: 65 -71
وإذ لا يمكن التطرّق لجميع المواد في هذه المشاركة لضيق الوقت، نلفت النظر الى بعض المواد التي نجدها أساسية في إطلاق عجلة مكافحة الفساد، خاصة في لبنـان. فلقد اخترنا ما يتلاءم مع المبدأ الأول “إنتشارسيادة القانون” ومع تفعيل المبدأ الثاني اي “الرقابة الداخلية” خاصة بما يخص إنفاق المال العام عبر الموازنة. كما تدريب وتحضير المسؤولين مهنياً لاستكمال الأعمال المطلوبة في مشوار مكافحة الفساد وزيادة فعّالية النشاط وتسريع وقت التنفيذ لتقصير المدة وتحقيق هدف تخفيض نسبة الفساد في لبنـان.
المادة 5 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد البند 1
“تقوم كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، بوضع وتنفيذ أو الحفاظ على سياسات فعّالة ومنسّقة لمكافحة الفساد أولاً تعزّز مشاركة المجتمع، وثانياً تعكس مبادئ سيادة القانون والإدارة السليمة للشؤون العامة والممتلكات العامة، والنزاهة، والشفافية، والمساءلة…”
المادة 9 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد البند 2
“تتخذ كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني:
التدابير المناسبة لتعزيز الشفافية والمساءلة في مجال حقوق الإنسان.
إدارة المالية العامة وتشمل هذه التدابير، في جملة أمور، ما يلي:
إجراءات اعتماد الموازنة العامة؛
الإبلاغ في الوقت المناسب عن الإيرادات والنفقات؛
اتّباع نظام معايير المحاسبة ومراجعة الحسابات وما يتصل بذلك من رقابة؛
اعتماد نظم إدارة المخاطر بفعّالية وكفاءة؛
الرقابة الداخلية؛
وعند الاقتضاء، اتخاذ إجراءات تصحيحية في حالة فشل الامتثال للشروط المحددة في هذه الفقرة”
المادة 60 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد البند 1 (أ، ب)
“تقوم كل دولة طرف، بالقدر اللازم، بالشروع في برامج تدريبية محددة لموظفيها المسؤولين عن تطبيق هذه البرامج أو تطويرها أو تحسينها لفعّالية مكافحة الفساد. ويمكن لبرامج التدريب هذه أن تتناول، في جملة أمور، المجالات التالية:
(أ) التدابير الفعّالة لمنع الفساد وكشفه والتحقيق فيه والمعاقبة عليه ومكافحته، بما في ذلك استخدام جمع الأدلة وأساليب التحقيق المجدي؛
(ب) بناء القدرات في مجال وضع وتخطيط الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وسياسة مكافحة الفساد، والبرامج التطبيقية الضرورية لتحقيق أهداف الإتفاقية.”
المبادئ العشرة لمكافحة الفساد والتقاطع مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد
لقد وردت أعلاه المبادئ العشرة لمكافحة الفساد والصادرة عن المعهد الأميركي لمكافحة الفساد. ولتثبيت هذه المبادئ على أهميتها نربط كل مبدأ بمادة واحدة على الأقل أو عدة مواد مهمة من المعاهدة. نثبّت بذلك أهمية تنظيم هذه المبادئ التي أصدرها المعهد الأميركي كإطار لكيفية المضي قدماً على أسس منظمة وهيكلية تربط المعاييرالتفصيلية بالمبادئ وتسهّل مهنة مكافحة الفساد على الخبراء والمدراء المؤهّلون لمكافحة الفساد في لبنان والعالم.
المبادئ العشرة لمكافحة الفساد وأمثلة عن ربطها باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد:
إنتشار سيادة القانون: الديباجة، المادة 5 (1
الرقابة الداخلية الفعّالة: المادة 9، المادة 12
الحكم الفعًال والصالح: المادة 7(4)، المادة 8(5)، المادة 12(هـ)
القضاء المستقل والفعّال: المادة 11
السلطة والمساءلة: المادة 5(1)، المادة 6
الاستثمار في منع الفساد: المادة 5(1)، المادة 5(2)، المادة 6، المادة 7(د)، المادة 10 (ج)، المادة 60
(القياس الكمّي للتعرّض للفساد: المادة 5(3)، المادة 10 (ج
اليقين من العقاب: الديباجة المادة 5 (1
(لا يسقط الفساد بالتقادم: المادة 29 (المعهد لعدم سقوط هذه الجرائم بالتقادم
(مكافأة مكافحي الفساد (بالمفهوم وليس بالنص الواضح
المرجعيات للنص أعلاه
جمعية مدراء مؤهّلون لمكافحة الفساد WWW.LCACM.org
المعهد الأميركي لمكافحة الفساد www.THEAACI.com
معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد
الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد النسخة الأولى في زمن الوزير(ة) عنايات عز الدين) والنسخة الثانية بعد التعديل على زمن الوزير(ة) مي شدياق والنسخة الأخيرة المقرّة من مجلس الوزراء في أيار 2020.
جميع الحقوق محفوظة ولا يمكن النشر أو استخدام النص بدون إذن تحت طائلة الملاحقة القانونية.
LCACM.org; info@lcacm.org; Tel: +961 76 315 338 THEAACI.com; info@THEAACI.com